Friday, February 11, 2011

Cleanliness

الثلاثاء 06 صفر 1432 ھ 11 يناير 2011 العدد 11732
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: آفاق إسلامية
د. عائض القرني

سافرنا إلى دول الغرب، وانتقلنا برا بين مدنھا مرة بالسيارة ومرة بالباص ومرة بالقطار، ووجدنا الطرق
المعبدة والأرصفة المنظمة والحدائق المتسقة والمقاھي المرتبة والأحياء الراقية والمطاعم الجميلة والحمامات
النظيفة، كل شيء في عالم الدنيا منظم ودقيق ورائع.. ثم سافرنا لدول شرق آسيا، فوجدنا الصورة قريبة
حضارة وتطورا وازدھارا ورقيا.. ثم سافرنا إلى غالب الدول العربية وھي الدول النامية في العالم الثالث،
فكانت غالب الطرق حفريات وإنشاءات، والحمامات على الطرق البعيدة مخلّعة الأبواب، مكسرة الكراسي، لا
ماء ولا ھواء ولا صابون ولا عطور، والمقاھي معدومة أو قديمة يملؤھا الذباب والفراش والصراصير إلا في
بعض العواصم العربية، وھذا استثناء، أما جوانب الطرق فزبالات وقمائم، مع اختلاط المواشي بطرق
السيارات، أما القطار فمعدوم أو نادر، وإذا وُجد فقطار قديم خربان تربان كحيان ھريان من الحرب العالمية
الثانية، وغالب المدن العربية حتى كثير من العواصم ليست فيھا مقاه متقاربة في الأحياء، بل معظمھا على
الطرق العامة فقط، والحمامات في غالبھا بلا رعاية ولا ذوق، بل تجدھا مھشمة، جدرانھا مشخبطة وأسيابھا
ملخبطة ونوافذھا مُشطّبة. والإنسان العربي يحتاج إلى تطبيق تعاليم الإسلام في النظافة، فبينما تجده يتغنى
بمجد آبائه وأجداده وإنجازاته الوھمية ومفاخره الخرافية وفتوحاته الخيالية، تجد أظفاره طويلة متسخة، وثوبه
لم يُغسل من أيام، وشعره أشعث بعيد العھد بالماء والصابون والشامبو، وليست عنده مشكلة في أن يحضر
المجلس والمسجد بروائح الثوم والبصل والجوارب والعرق والمرق وروائح الجريش والقرصان والمنقوشة
والتبولة والكبة، وإذا تكلم صاح، وإذا بكى ناح.. صخب وضجيج، وصراخ وصجيج، فأين ما تعلمناه في كتاب
لله وسنه رسوله صلى لله عليه وسلم من النظام والرتابة والنظافة والطيب والأناقة والسكينة والھدوء؟ فولله إنَّ
في ھذه الأبواب مئات الأحاديث عن معلم الخير رسول الھدى صلى لله عليه وسلم، آمل من الشعب العربي
العظيم أن يھتم بالنظافة.
والنظافة لا دخل لھا بالفقر؛ فقد تجد الفقير نظيفا، والغني وسخا مبتذلا. النظافة أيھا الشعب العربي العظيم لا
تحتاج إلى أموال طائلة، بل تحتاج إلى ضمير حي، وقلب سليم، وذوق عال، مع شيء من الصابون والماء
والشامبو والعطر الطائفي أو الفرنسي. النظافة أيھا العرب تحتاج إلى وعي حكومي، واستجابة شعبية، وحملة
وعي في الإعلام والمدارس والجامعات. لماذا نحن فقط في الدول العربية والأفريقية وضعُنا مأساوي في عالم
النظافة والنظام والدقة والترتيب؟ لماذا نجد غيرنا مرتبين منظمين يغتسلون ويمتشطون ويفرّشون أسنانھم
ويقلمون أظافرھم وينظفون حماماتھم ويرتبون حدائقھم ويرصفون طرقھم، ونحن الشعب العربي العظيم في
غالبنا لم نأخذ بنظام الإسلام في النظافة والنظام، ولا بالنظام الغربي؟ فحياة العرب في الغالب حياة مبعثرة،
ليس ھناك اھتمام كبير من الحكومات ولا من الشعوب. كلما جلست مع زملائي في مدينة عربية في مقھى أو
مطعم أو سافرنا في طرقھم البرية تذكرنا ما شاھدنا في الشرق والغرب من حياة راقية، فظھر لنا البون
الشاسع، ولھذا لم يظلمنا العالم أبدا حينما سمانا بالعالم الثالث، ومن شك في كلامي فليسافر برا من باريس إلى
ليون، ومن ميونيخ إلى فرانكفورت، ومن جاكرتا إلى سورابايا، ومن كوالالمبور إلى جنوب ماليزيا، ثم يسافر
بعدھا بين المدن العربية برا ويحكم ھو بنفسه.
أرجو من الحكومات العربية أن تُوزّع قيمة الصابون والشامبو والماء على المواطنين الكرام، وأرجو من
المواطن العربي أن يغتسل كل يوم ويتطيب ويغسل ثوبه ويقلم أظفاره ويُفرّش أسنانه ويرتب بيته ويمسح
سيارته ويحترم مواعيده.

الشعب العربي العظيم بحاجة إلى نظافة